السبت، 28 أبريل 2012

ماهية القرآءة

ماهية القراءة

تم تحقيق تقدم جوهري في عملية القراءة في العقود الثلاثة الأخيرة ، ويتفق معظم  الدارسين في هذا المجال علي طبيعة القراءة ، وهي أنها عملية تكوين المعني من نصوص مكتوبة ، وهى عملية معقدة تتطلب توافق عدد من المصادر للمعلومات ويمكن القول أن القراءة تحدث فقط عندما تجتمع الأجزاء معاً في أداء متكامل ، إن النجاح في القراءة يتطلب مراناً لفترات زمنية طويلة مثله مثل اكتساب المهارة في إي مهارة ، إنها في الواقع محاولات قد تحتاج العمر كله 0
*** كيف تحدث عملية القراءة ؟
إن وجهة النظر المنتشرة أن القراءة عملية فيها تُنطق الكلمات فيتم فهم معانيها ثم تتجمع معاني الكلمات فتشكل معاني العبارات والجمل ، وترتبط معاني الجمل معاً فتنتج معاني الفقرات ، وفي ضوء هذا المفهوم ينظر إلى القراء علي أنهم دائماً يبدؤون من أسفل ،و يتعرفون الحروف ثم يتعاملون مع الكلمات والجمل إلى المستويات الأعلى حتى يفهموا أخيراً معني النص ، ومع هذا كله فقد أوضحت البحوث أن وجهة النظر السابقة الخاصة بالقراءة تمثل فقط جزءاً من الحقيقة ، فالنص ليس وعاء يحتوي على معنى بل هو مصدر لجزء من المعلومات يمكن القارئ من استخدام معرفة يمتلكها بالفعل كي يحدد المعني المقصود ، إن القراءة عملية تشترك فيها المعلومات المستقاة من النص والمعرفة السابقة التي يمتلكها القارئ لإنتاج معنى ما 0
*** وتنبثق من البحوث العلمية التي أجريت طيلة العقد الماضي خمسة مبادئ عن طبيعة القراءة :
 المبدأ الأول // هو أن القراءة عملية بنائية
 أي أنه لا يوجد نص يفسر نفسه تفسيراً كاملاً ، فعند تفسير النص، يعتمد القارئ على مخزون المعرفة عن موضوع النص ، ويستخدم القارئ معرفته السابقة ، ويؤلف بين الأجزاء المختلفة للمعلومات المتضمنة في النص ، وقد يتنوع المعنى الذي يبنيه القارئ عن المعنى الذي يبنيه قارئ آخر عند قراءة نفس النص ، وذلك بسبب الفروق في المعرفة لدى كل منهما وأحياناً لا يكون لدى بعض الناس معرفة كافية لفهم نص ما ،  وقد يكون لديهم معرفة لكن لا يستخدمونها الاستخدام الأمثل ، وتنشأ الاختلافات في تفسير النص غالباً لأن للناس تصورات مختلفة عن الموضوع عما يذكره المؤلف ، وتُظهر البحوث أن الفروق في المعرفة تؤثر على فهم الأطفال  فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات على أطفال الصف الثاني الذين يتساوون في القدرة القرائية ، أعطي الأطفال اختباراً في المعلومات العامة عن "العناكب" قبل أن يطلب منهم قراءة موضوع مختار عن العناكب ، ثم وجهت إليهم أسئلة عن الموضوع الذي قرؤوه ، وقد وجد أن الأطفال الذين كانوا أكثر ألفة بالعناكب كان أداؤهم أفضل بشكل واضح عند إجابتهم عن الأسئلة ، وعلى وجه الخصوص عن الأسئلة التي تتطلب تعليلاً ، وتكشف البحوث على أن الأطفال لا يجيدون الاستفادة من معرفتهم السابقة ، خاصة في البيئة المدرسية ، وحتى إذا وجد فارق عميق بين تفسير طفل ما للنص والفهم الصحيح للنص كما يدركه القارئ البالغ ، فإن هذا الفارق يعطي انطباعاً أن الطفل لا يفهم المادة القرائية  .
 المبدأ الثاني // ينبغي أن تتسم القراءة بالطلاقة
وأساس الطلاقة القدرة على تعرف الكلمات المنفردة ،  وحيث أن اللغة العربية لغة تقوم على الأبجدية ،  فإن هناك ارتباطاً منتظماً إلى حد كبير بين هجاء الكلمة ونطقها ، وقد ذكرت بعض البحوث إلى أنه  بصرف النظر عن الاستراتيجيات المستخدمة لتعليم الأطفال المبتدئين القراءة فإن الأطفال الذين يحصلون على أعلى الدرجات في اختبارات فهم المقروء في الصف الثاني هم أولئك الذين حققوا أعلى درجة في تعرف الكلمات بشكل صحيح وسريع أثناء وجودهم في الصف الأول .
إن فهم مدلول الكلمة ، أي تعرف نطقها ومعناها ، يتضمن أكثر من مجرد تحليلها حرفاً وقد  ظهر في الآونة الأخيرة أن السياق ذا المعنى يساعد على تعرف الكلمة ، على سبيل المثال كلمة "ممرضة" يمكن تعرفها بشكل أيسر لو سبقتها كلمة "طبيب" وعلى القارئ أن يكون قادراً على تعرف الكلمة بسرعة ودقة
 ، إن القارئ الجيد دائماً أسرع من القارئ الضعيف في نطق الكلمات ، و الأشخاص ذوو القدرة القرائية التي تتعدي الصف الرابع لا يخطئون في تعرف الكلمات والذي يميز بين القارئ الجيد والقارئ الضعيف في هذه الحالة هي السرعة وليست الدقة    وتعني هذه الحقيقة أن القارئ الضعيف لم يتقن أنماط العلاقة بين الهجاء والأصوات بينما القارئ الجيد لديه قدرة تتعدى إجادته للجانب الآلي من القراءة ، ومن الأمور المهمة أن القارئ الماهر يبدو أنه لا يتعرف الكلمات غير المألوفة عن طريق التطبيق السريع للقواعد التي تحكم العلاقات بين الحروف وأصواتها ، لكن بدلا من ذلك ، ترى البحوث أنه يتعرف عليها عن طريق مقارنتها بكلمات معروفة ، ومهارة التعرف يجب تنميتها حتى تصبح آلية تلقائية تتطلب القليل من الانتباه الواعي حتى يتوفر انتباه القارئ لتفسير النص بدلاً من تعرف الكلمات ، وأحياناً يكون القارئ غير المتمرس غير قادر على التركيز على المعنى أثناء القراءة ، ذلك أن مهارة التعرف لديه ذات مستوى متدني  0

المبدأ الثالث // القراءة عملية إستراتيجية
 القارئ الماهر قارئ مرن ، وتعتمد طريقة قراءة النص على مقدار تعقد النص ، ومد فهم القارئ لموضوعه ، والغرض من القراءة ، وتظهر الدراسات أن القارئ الضعيف تنقصه إستراتيجيتان يوظفهما القارئ الجيد ، الأولى هي  قياس معرفته الذاتية بالنسبة لمتطلبات أداء المهمة ومراقبة مدى فهمه ، والثانية هي استخدام إستراتيجيات تثبيت المعنى عندما يعاق الفهم .
ويدرك القارئ الجيد أن هناك أهدافاً مختلفة للقراءة وأن عليه أن يغير من طريقته للقراءة تبعاً لتلك الأهداف ، فعلى سبيل المثال فهو يعرف أن القراءة بهدف الاستمتاع لا تتطلب فهماً تفصيلياً للنص ، بينما قد تتطلب ذلك القراءة بهدف الاستعداد للامتحان 0
وقد يرجع عدم قدرة القراء الضعاف على التحكم في القراءة بطريقة مناسبة إلى عدم إدراكهم لموضوع مادة القراءة مظهر آخر من مظاهر التحكم في عملية القراءة هو القدرة على اتخاذ إجراءات تصحيحية إذا ما اكتشف القارئ وجود قصور في الفهم ، ويعرف القارئ الجيد ما الذي ينبغي عليه أن يفعله لو واجه مشكلة ما أثناء القراءة ،  فعند وجود مشكلة ما فإن هناك عدة بدائل متاحة : تأجيل التفكير في المشكلة على أمل أن تتضح إجاباتها في النص فيما بعد ، وبديل آخر هو طلب العون من مصادر خارجية ، وقد قال القراء الأكبر سناً والأفضل في القراءة أنهم على سبيل المثال إذا ما تعذر عليهم فهم كلمة ما فإنهم يسألون شخصاً آخر أو يستخدمون المعجم ، أما القراء الضعاف فقد عجزوا عن تحديد ما يفعلونه في هذه الحالات ، وقد تأكدت هذه التقارير عن طريق الملاحظة الفعلية للأطفال ، إن القراءة الماهرة ينبغي أن تكون إستراتيجية ، وهذا يعني أنه على القارئ أن يراقب مدى تقدمه في فهم المادة المقروءة ويحل المشكلات التي تعوق الفهم .

 المبدأ الرابع // الدافعية في تعلم القراءة 0
 يعرف المعلمون أن الدافعية أحد مفاتيح تعلم القراءة ،  وتعلم القراءة الجيدة يستغرق سنوات عدة بالنسبة لكثير من الأطفال ، وأثناء فترة تعلمهم للقراءة لابد من شد انتباههم ، وعليهم ألا يفقدوا الأمل بأنهم في النهاية سوف يصبحون قراء مهرة  ، إن القراءة ذاتها متعة للعديد من القراء المهرة بالنسبة لعمرهم الزمني ،  بل هي متعة بالنسبة للأطفال ذوي المهارة المتوسطة ، بل وأقل من المتوسطة ، فهؤلاء الأطفال يتعلقون بمادة القراءة ، مثلما يتعلق السمك بصنارة الصياد ، ولعل الهدف هو زيادة نسبة الأطفال الذين يقرؤون باستفاضة وتوسع واستمتاع ظاهر ، ذلك هدف تعليم القراءة كما يتضمن الهدف ذاته زيادة عدد القراء الأكفاء ، وخطوة أساسية لتحقيق هذا الهدف تتمثل في تزويد الأطفال بوفرة من الكتب المسلية .
ويمكن أن تكون عملية تعليم القراءة عملية مملة ، في إحدى الدراسات تبين أن الأطفال الذين طُلب منهم قراءة نصوص أعلى من عمرهم القرائي بعام واحد أن معظمهم يحبون أن يقرؤوا ، ولكن معظمهم لا يحبون الأنشطة التي تقدم في حصص القراءة داخل المدرسة .
إن المعلمين الذين يمكنهم الاحتفاظ بمستويات عالية من الدافعية يقدمون لتلاميذهم دروساً متنوعة وسريعة ، ويوصف المعلمون الذين يخلقون الدافع في فصولهم بأنهم يأخذون عملية التدريس على أنها عملية إنتاجية لكنها تتسم بعنصري الصداقة والدعم النفسي للمتعلمين ، ويلاحظ أن الأطفال الذين يتعلمون على أيدي معلمين لديهم هذه السمات يحققون إنجازات أعلى من المتوسط 0                                                                                                    إن الطلاب الضعفاء في القراءة تتكون لديهم اتجاهات غير مرضية نحو القراءة ، وغالباً ما يكون الضعفاء في القراءة غير مرتبين وغير منتبهين وأحياناً يكونون مثيرين للفوضى ، وهم لا يكملون أي عمل يكلفون به ، وسرعان ما ينصرفون عن العمل عند مواجهة مهمة صعبة بالنسبة لهم ، ويصابون بالقلق عندما يكون عليهم أن يقرؤوا قراءة جهرية أو يؤدوا أحد الاختبارات ، إنهم يتصرفون كما لو كانوا عاجزين عن فعل شيء أفضل .
ومن ناحية أخرى , إذا عبر المعلمون عن استيائهم من أداء هؤلاء التلاميذ فإن هذا السلوك قد يحمل رسالة أن هؤلاء التلاميذ يمكنهم أن يؤدوا أفضل لو حاولوا بجدية أكبر ، وينقل معلمو القراءة ذوو الفاعلية لتلاميذهم الشعور عن طريق الحديث أو الفعل  بأن كل فرد يستطيع تعلم القراءة ، إذا ما انتبه وطبق ما يقوله المعلم بنفسه ،  ويؤتي أي مجهود يبذله المعلم داخل الفصل ثماره .
وتظهر البحوث أن هؤلاء المعلمين يعطون تلاميذهم مواد قرائية تساعدهم على تحقيق درجة عالية من النجاح  ، ومع أن الاستمرار في الدافعية أمر جوهري بالنسبة لتعلم القراءة، فينبغي التحذير من أن ضعف الدافعية ليس هو المشكلة الوحيدة ، ولا هو أهم المشكلات التي يواجهها الطلاب الضعفاء في القراءة إذ لابد من وجود مشكلات قرائية عند بعض الطلاب ، ومع ذلك يمكن التوكيد بكثير من الثقة على أن مداخل تدريس القراءة المختلفة يمكنها أن تقلل من المشكلات التي يواجهها الضعفاء في القراءة .

 المبدأ الخامس // القراءة مهارة متنامية بشكل مستمر
القراءة لا يتقنها الفرد مرة واحدة في سن معينة ، بل هي مهارة تتحسن خلال السنين عن طريق الممارسة  ،
ومن الأفضل قراءة أي نص من أجل فهم و إدراك الرسالة التي يتضمنها النص ، وتمثل هذه الحقيقة أحد المشكلات أمام القارئ المبتدئ فكيف يمكن لطفل أن يمارس القراءة قبل أن يكون قادراً بالفعل على القراءة ؟
هناك العديد من استراتيجيات تعليم القراءة للطفل المبتدئ ، من هذه الاستراتيجيات استخدام القصص المسلية التي يفهما الطفل ، والتي قد يكون الطفل قد حفظها عن ظهر قلب ،  كذلك تقليل عدد الكلمات في النصوص المختارة لقراءة الطفل المبتدئ وأيضاً تعليم القارئ المبتدئ بعض العلاقات بين أسماء الحروف وأصواتها .


*** الخلاصة
القراءة الماهرة قراءة بنائية : كي يصبح الطفل قارئاً ماهراً يتطلب ذلك تعلم تقويم المادة المقروءة ، والقراءة الماهرة قراءة سريعة ، ولكي يصبح الطفل قارئاً ماهراً فإن ذلك يعتمد على إتقانه للعمليات الرئيسة ، إن القراءة الماهرة عملية إستراتيجية ، تتطلب المهارة في القراءة وذلك في أن يتعلم القارئ التحكم في قراءته في ضوء هدفه من القراءة ، وطبيعة المادة المقروءة وقدرته على الاستيعاب ، كذلك يجب أن تكون هناك دافعية نحو القراءة حتى تكون القراءة شيقة ومثيرة ، ويجب أن تستمر القراءة طوال فترة حياة الطفل إلى أن يكبر كي تنمو وتكبر معه 0

وفي الختام أشكر الدكتور الفاضل عبد العزيز محمد يار قوقندي أن هيأ لنا قراءة هذه المقالات ، والتعليق عليها ، وأسأل المولى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته 0

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


هناك تعليقان (2):